من وسائل النقل التي كان يستخدمها أهل الحلة، وقد أصبحت اليوم تراثا نستذكره لما لها من متعة وجمال تستحق أن نقف عندها ونتأمل فيها تلك الواسطة الجميلة (الربل).

(الربل): كلمة أطلقها العراقيون على العربة الخاصة لنقل الركاب، وهي تحوير لكلمة (ربر) الإنكليزية التي تعني المطاط، إذ أن عجلات العربات كانت من الخشب ومغلفة بالحديد، وكانت تصدر أصواتا مزعجة في الطرقات، وبعد أن غطيت الشوارع بالإسفلت، كان الحليون يطلقون على تلك العربات كلمة (برشقة) أو (بلشقة)، وحين غلفت العجلات الخشبية بالمطاط تماشيا مع الشوارع المغطاة بالإسفلت أطلقت عليها كلمة (الربر)، ثم حرفت الكلمة إلى (الربل). 

كان أول دخول للربل إلى شوارع الحلة في عام (1850م)، وفي عام (1930م) بدأت صناعة الربلات في الحلة بشكل مشهور، وأول من استخدم الربل في الحلة هو (حمزة الزير) من أهالي محلة الاكراد, حيث كانت أجرة الراكب (قُمري), وكذلك كان من السوّاق القُدامى (محمد سكينة) من أهالي التعيس، وأولاد جابر(عمران، محمد، رزوقي، حاتم ) وأولاد عبيد الصالح (مليح، هادي، هاشم ) وأولاد حمزة الساجني ( عبدالله، ومحمد ) .
لقد خضعت الربلات لنظام مروري صارم، وفرضت الغرامات على المتجاوزين، وكانت المخالفات التي يعاقب عليها صاحب الربل هي : إذا حمل أكثر من أربعة أشخاص في الخلف، أو إذا حمل شخصاً إلى جانبه في الأمام، وتكون العقوبة أشد إذا لم يكن الربل مزوداً بـ (الفانوس) على جانبيه ليلا، وكذلك يتطلب الحصول على رخصة سياقة من المرور، وتثبت لوحة مرقمة لكل ربل في المدينة.
كانت تكلفة صناعة الربل، في ستينيات القرن الماضي لا تتعدى 75 دينارا، على يد حرفيين أكفاء، وتبدأ الخطوة الأولى على يد نجارين متخصصين ببيع خشب التوت، حيث يقومون بتقطيع هذا النوع من الخشب بطريقة المساطر الخشبية والزوايا اللازمة لصناعة العربة حسب نوعيتها، وعجلة الربل كانت تصنع من الخشب المطّوق بإطار حديدي، يؤطر أيضا بقطع من المطاط التي تسهل حركتها وتقلل من صدمات الطريق أثناء السير، وكانت لها ورش تصليح أيضا، كما أن سعر رأس الخيل لا يتعدى 25 دينارا .
وتطلى العربة بالألوان الزاهية حسب رغبة صاحب العربة، واللون السائد للعربة هو الأسود، كما تزين العربة بالعديد من أشكال السروج، وأضيفت إلى العربة في السنوات اللاحقة أشكالاً أخرى من الزينة، أما الفوانيس التي تنصّب على جانبي مكان الجلوس فإنها كانت تصنع بشكل فولكلوري جميل وبألوان زاهية.
ويتكون الربل من مقعد أمامي مرتفع لسائق العربة، وعلى يمين وشمال مقعده قاعدة فانوس نفطي مخروطي الشكل ينير ليلا، وأسفل المقعد في مواجهة الأرض فانوس مشابه آخر، كما يلامس قدم السائق الذي يقود العربة عتلة المنبه الموصلة بجرس مثبت بحزام على بدن الحصان وهو شبيه بجرس الدراجة الهوائية.
أما الركاب فتطّوق مقعدهم مظلة متحركة للخلف والأعلى تسمى الشمسية، لونها أسود، وهي أقل ارتفاعا من مقعد السائق، وهو متسع ومفروش بفرش من القماش الناعم المريح وأسفله دوشمة الإسفنج المثبتة على قاعدة المقعد الذي يواجه مقعدا آخرا صغيرا للصبية.
ويقول رزوقي (أحد أصحاب العربات): هذه المهنة تتطلب جهدا كبيرا وتعاملا خاصا مع الحصان لا يتقنه إلا صاحب المهنة والحريص على رزق عائلته، كما إن الجهد يتجلى أيضا في العناية الكبيرة بتزيين العربة وتجميلها وتزويدها بالوسائل المريحة للراكب التي تشكل مظهرا جماليا وعامل جذب، كما يتطلب العمل معرفة مناطق المدينة وأزقتها إضافة إلى الإهتمام بنظافة العربة وتزيينها بأشياء تراثية، وتثبيت عدد كبير من الفسفور المختلف الألوان خلف العربة وعلى جوانبها، وصنع ضفائر للخيل أيضا لإظهارها بمنظر لطيف يسر الراكب.
وكانت أجرة الركوب السائدة أيام زمان عشرين فلسا، وحسب المسافة التي يقطعها الربل وصعوبة المكان أحيانا، في عام (1931م) وهو العام الذي صدر فيه قانون العُملة العراقية أصبح سعر النفر الواحد (فلسين)، وبعد سنوات أصبح السعر (عانة)، أربعة فلوس, وأيام الاربعينيّات أصبحت الأجرة (عشرة فلوس), وعندما اشتد الغلاء أثناء الحرب العالمية الثانية كانت اُجرة الربل الذاهب إلى محطّة القطار في الحلة خمسين فلساً بدل العشرة (فلوس) .
كان الربل أشهر وسيلة من وسائل النقل الرئيسة في الحلة قبل دخول السيارات، واستمر العمل بها إلى سبعينيات القرن الماضي حيث تقاعدت هذه المهنة وهجرها الناس وتراجع الإقبال عليها لزيادة أعداد السيارات، وأصبح الربل بطيئا قياسا بسرعة تلك العجلات ومعرقلا لسيرها، ولكن يبقى الربل رمزا تراثيا جميلا من رموز الحلة القديمة .

تراث الحلة