الاكاديمة والخبيرة القانونية
د. راقية الخزعلي

لعل من اهم المواضيع التي تثير اهتمام ومشاعر المختصين في مجال القانون، (خدمة المحاماة) تلك الخدمة التي تقوم على تقديم المساعدة لكافة الأشخاص في الحصول على حقوقهم حسب القوانين المتبعة في الدولة بكافة المجالات. حيث يقوم الشخص الذي يمارس مهنة المحاماة (المحامي) بالدفاع عن حقوق الغير إضافة الى توعية الاخرين بحقوقهم ووجباتهم، كما تعد مهنة حرة يتشارك فيها المحامي مع السلطة القضائية لإظهار الحقيقة وتحقيق العدل وسيادة القانون.
من الغريب ومن غير المنطق. ان يتفنن بعض القائمين على تطبيق احكام القوانين خاصة في بعض الدوائر الحساسة، كالدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء ومن في شاكلتها التي تتولى تفسير النصوص القانونية وتحليلها وبيان شروط انطباقها حيث يعمد البعض منهم (ن،ش) الذي يتولى إعطاء بعض الآراء القانونية بحسب ما يترآى له وبحسب ما تقتضيه مصالحه.
الواقع من الامر ان المحامي، بل القانوني مهما كان اسمه وعنوانه الوظيفي فهو يعد مؤتمن يجب ان يراعي كل مبادئ العدالة والانصاف التي تعلمها طوال الأربع سنوات التي قضاها في الجامعة، وقبل هذا وذاك يجب ان يراعي الله تعالى في حقوق العباد.
كثيرا ما يصل الى مسامعي، شكاوى لأناس وقعوا ضحية خلاف او مزاج او مساومة من بعض الأشخاص، وكانت النتيجة انهم حرموا من ابسط حقوق منحها لهم القانون في نصوص واضحة كل الوضوح.
بل ترى البعض منهم يتفنون في اقناع مدراءهم ومسؤوليهم بحكم قانوني او مخرج قانوني ليس له وجود، او ملغي، او لا يمت للموضوع بصلة، او لا ينطبق على الحالة المطروحة، او لتطبيقه شروط مخصوصة…الخ
ويعد كلامه مصدقا لدى رؤسائه لأنه وببساطة ممثلا للدائرة القانونية وبالتالي يمثل جادة العدل والصواب، هذا ما يعتقده اغلب المسؤولين في دوائر الدولة، ولكن الحقيقة في غالب الأحيان غير ذلك تماما.
موضوع المقال يدور حول خدمة المحاماة التي نص عليها القانون رقم 65 لسنة 2007 حيث نص في المادة (1) منه على الاتي: “تحتسب للمحامي المعين بوظيفة بدوائر الدولة مدة ممارسته مهنة المحاماة خدمة فعلية لأغراض التعيين وتحديد الراتب والتقاعد استثناء من احكام قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 600 لسنة 1980” ولعل من أسباب الموجبة لهذا القانون هو لرفد دوائر الدولة بالكوادر المهنية من ذوي الخبرة المتراكمة المتحصلة من ممارسة مهنة المحاماة وتشجيعها على الخدمة في دوائر الدولة التي سددت استقطاعات تقاعدية طيلة مدة الممارسة الى صندوق تقاعد المحاميين. شرع هذا القانون. والسؤال هنا من هو المحامي الذي يحتسب خدمته؟
المحامي في اللغة يعني المدافع، وهو الذي يقوم بمهمة الدفاع في الدعاوى امام العدالة.
لم يعرف قانون المحاماة العراقي رقم 173 لسنة 1965 المعدل مهنة المحاماة ولكن يمكن القول ببساطة بان المحامي هو كل من يمارس مهنة المحاماة والمسجل اسمه في جدول المحامين لدى نقابة المحامين العراقيين.
اما خدمة المحاماة، فهي تلك الخدمة المؤداة من قبل من ينطبق عليه وصف المحامي وفقا لقانون المحاماة يستوي في ذلك ان تكون هذه الخدمة متعلقة بتقديم الاستشارات القانونية او الترافع في الدعاوى على اختلاف أنواعها او القيام بكافة الإجراءات الأخرى المتعلقة بالدعاوى والمعاملات القانونية كتسيير الإنذارات وغيرها.
وضعت الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ضوابط لتطبيق قانون رقم 65 لسنة 2007 بكتابها المرقم ب (ق/8132/27/1/2) في 16/4/2008، حيث وضعت شروط احتساب مدة ممارسة مهنة المحاماة لمحامي المعين بوظيفة وهي الاتي:
أولا. ان يكون منتميا لنقابة المحامين العراقيين ومسجل في جدول المحامين في النقابة ويشترط فيمن يسجل في هذا الجدول استنادا لأحكام قانون المحاماة، ان يكون عراقيا او فلسطينيا مقيما في العراق ومتمتعا بالأهلية المدنية الكاملة وحائزا على الشهادة الجامعية الأولية في القانون او ما يعادلها من احدى الجامعات العراقية او الجامعات العربية او الأجنبية المعترف بها في العراق وبشرط نجاحه في امتحان إضافي في القوانين العراقية يعين مواده ويجريه مجلس النقابة. وان يكون محمود السيرة والسلوك وان لا يكون محكوما عليه بعقوبة بجناية او جنحة مخلة بالشرف ما لم تمض مدة سنتين على انهائه العقوبة او اعفائه منها …الخ
ثانيا. ان يكون مستمرا في دفع بدلات الاشتراك والتوقيفات التقاعدية وإبراز ما يؤيد ذلك.
ثالثا. ممارسة مهنة المحاماة فعلا وإبراز ما يؤيد ذلك في القرارات او الوكالات او أي وثائق تثبت ممارسته مهنة المحاماة فعليا.
رابعا. ان يكون الشخص المراد احتساب خدمته من المعينين في دوائر الدولة، سواء كان تعينهم لأول مرة او يراد إعادة تعينهم استنادا لأحكام القرار 220 لسنة 2002 وبحسب قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 التي عرفت الموظف بانه “كل شخص عهدت اليه وظيفة دائمة داخلة في الملاك الدائم” وبالتالي لا ينطبق هذا الحكم على الموظف المعين بأجور يومية ولا يشمل كذلك المعين بعقد استنادا لأحكام القرار 603 لسنة 1987.
بيد انه يشمل منتسبي قوى الامن الداخلي وكذلك رئيس الدائرة او وكيل الوزارة والمدير العام ورئيس الشعبة او الوحدة ولا يسري هذا الحكم على المحافظ او الوزير او الهيئات او رئيس وأعضاء مجلس المحافظة لعدم انطباق وصف الموظف عليهم.
غير اننا نرى ان سنين الخدمة المؤداة في ممارسة مهنة المحاماة تكون كسنين الخدمة المؤداة في الدائرة المتقدم للتعين فيها، ومن ثم فان من له ممارسة مهنة المحاماة يتساوى مع الموظف المعين بعقد في أولويته للتعيين.
كما نرى ان عبارة خدمة فعلية التي ورد ذكرها في المادة 1 من قانون رقم 65 لسنة 2007 السالف ذكرها تعني خدمة حقيقية وليست خدمة صورية بمعنى لا مجال للقول بانها خدمة غير فعلية كما يذهب الى ذلك بعض القانونين في تفسيرهم للنص أعلاه.
وأخيرا نقول : الحق واحد ثابت، والاهواء كثيرة متقلبة، وبالحق الواحد يدبر الكون كله فلا ينحرف ناموسه لهوى عارض ولا تتخلف سنته لرغبة طارئة، ولو خضع الكون للاهواء العارضة والرغبات الطارئة لفسد كله ولفسد الناس معه ولفسدت القيم والأوضاع، واختلت الموازين والمقاييس.
قال تعالى في كتابه العزيز: ((وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ)) المؤمنون 71.