الاكاديمية والخبيرة القانونية
د.راقية الخزعلي


قال تعالى:
((وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)) هود الآية (118).

اجتمعت تسع دول عربية في مدينة جدة السعودية في يوم الجمعة الماضية، لبحث انهاء العزلة الدبلوماسية لسوريا تمهيدا لإعادة عضويتها لجامعة الدول العربية. وقد شارك في الاجتماع ممثلو دول مجلس التعاون الخليجي الى جانب مصر والعراق والأردن.
يعزى قرار تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية بسبب طريقة تعامل الحكومة السورية مع الاحتجاجات المؤيدة للديموقراطية في عام 2011 وما تبعها من حرب أهلية وصراعات مسلحة أودت بحياة أكثر من نصف مليون شخص كما أجبرت ما يقارب نصف تعداد سكان سوريا على ترك منازلهم والهجرة لدول أخرى.
والواقع من الامر ان قرار عودة سوريا للجامعة العربية دعت اليه إيران ولقي مزيدا من التأييد في اعقاب القرار الذي اتخذته كل من طهران والرياض الشهر الماضي باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ورغم ان عدة دول سارت على خطى المملكة العربية السعودية مثل مصر والأردن ودولة الامارات وسلطنة عمان بل قد سبقتها في هذا الشأن الا انها في الوقت ذاته قد اعترضت دول أخرى على هذه العودة وهنالك دول بقيت محايدة في قرارها بشأن العودة.
وبحسب استطلاع الصحيفة (وول ستريت جورنال) الامريكية للدول الداعمة والرافضة لقرار العودة فقد أعلنت هذه الصحيفة ان هنالك خمس دول عربية رافضة لعودة سوريا للجامعة العربية (المغرب، الكويت، قطر، اليمن ومصر التي اشترطت للترحيب بالعودة شروطا كان على الحكومة السورية قبولها لضمان العودة للجامعة العربية). حيث اشترطت القاهرة على الرئيس السوري بشار الأسد، التعامل مع المعارضة السياسية السورية بطريقة تمنح جميع السوريين صوتا لتقرير مستقبلهم.
في حين اشترطت المغرب، وهي من الدول الرافضة لعودة سوريا، على الحكومة السورية انهاء دعمها لجبهة (البوليساريو) كشرط لبحث إمكانية قبول إعادة عضويتها للجامعة ووقف الانتهاكات التي تمارسها الحكومة ضد الشعب السوري.
اما الكويت فتعد من الدول التي تعترض على عودة سوريا الى الجامعة العربية خاصة بعد ان أعلنت الكويت غلق سفارتها في دمشق بقرار عام 2012، ورغم كل المحاولات من قبل الحكومة السورية الا ان الكويت رفضت إعادة فتح سفاراتها في دمشق وأعلن وزير الخارجية الكويتي عام 2018، ان العلاقات بين بلاده ونظام الأسد (مجمدة) وليست مقطوعة.
واليمن هي الأخرى معارضة لعودة سوريا للجامعة العربية على الرغم من الارتباط الوثيق للحكومة اليمنية مع السعودية الا انها تعارض التطبيع الفوري مع النظام السوري وذلك بسبب موقفه من الحرب في اليمن والدعم الذي يقدمه لجماعات الحوثي المرتبطة بإيران.
وأخيرا قطر الدولة الخامسة المعارضة لعودة سوريا لجامعة الدول العربية فقد أكد رئيس وزرائها الشيخ محمد بن عبد الرحمن ال ثاني، ان الأسباب وراء تعليق عضوية سوريا بجامعة الدول العربية في 2011 لا تزال قائمة. وان قطر تتمسك بموقفها من تطبيع العلاقات مع سورية مالم يكن هنالك حل سياسي للازمة.
الواقع من الامر، ان الحكومات العربية كانت تعتقد ان التعامل مع حكومة الأسد ممكنة وميسرة بعد ان أدركت ان إدارة بايدن لم تجعل سوريا من ضمن أولوياتها خاصة بعد زلزال شباط/فبراير في تركيا وسوريا الذي كان له أثره البالغ في التطبيع مع الولايات المتحدة الامريكية على الرغم من بقاء واستمرار العقوبات الامريكية تلك العقوبات التي ينتهي مفعولها في عام 2024 ولكي تستمر هذه العقوبات لابد من ان يعيد الكونغرس الأمريكي إقرارها مرة أخرى.
والحقيقة ليست كذلك حيث تشير الأجواء الحالية في (الكابيتول هيل) ان تجديد العقوبات على سوريا امر بات مؤكد خاصة بعد ان أبلغت واشنطن الرياض وتل ابيب انها تعارض أي جهد لعودة دمشق الى الجامعة العربية بالتزامن مع رغبة السعودية وغيرها من الدول العربية بإعادة دمشق للحضن العربي بعد زيارة مسؤوليها ولقائهم بالرئيس الأسد.
الحقيقة ان قرار الولايات المتحدة المعارض لأي جهد لإعادة سوريا الى الجامعة العربية لا يعد غريبا او مستبعد ا وهي الدولة التي سعت الى دعم الفصائل الإرهابية وانشئت تنظيم داعش الإرهابي على أراضيها والأراضي العراقية (وهذا ما صرحت به وزيرة الخارجية الامريكية السابقة هيلاري كلينتون آنذاك)
حيث يمثل ذلك اعترافا رسميا صريحا وواضحا بان الولايات المتحدة وقفت بجانب القوى الإرهابية للإطاحة بالدولة السورية حيث كانت تعتقد ان أي رئيس يأتي بعد الرئيس بشار الأسد سيصب في خدمة المصالح الامريكية وان استمرار حكومته سوف يعيق مشاريع ومصالح تتطلع اليها الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها في تلك المنطقة. واليوم تتفاجئ حينما تجد ان دول عربية التي شاركتها في حصار سوريا ودعمت الفصائل الإرهابية وتعول عليها في معارضتها لسوريا، قد بدات تمد الجسور نحو سوريا مما يدلل على الفشل الذريع للسياسة الامريكية ليس فقط في سوريا وانما في المنطقة ككل خاصة وان الحديث عن عودة العلاقات مع سورية جاء من بعد عملية تقارب صيني خليجي، وتقارب إيراني خليجي معتبرين ان هذا الامر يمس بالصميم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الامريكية كما اكد أعضاء من الكونغرس الأمريكي ان هذه التحركات لا تعجب القيادة الامريكية ولا هي قادرة اعلى ايقافها مما يدلل على فقدان السيطرة وتراجع للدور الأمريكي بالمنطقة.
اما العراق فهو في مقدمة الدول الداعية للتطبيع وعودة سوريا لجامعة الدول العربية وبقوة، وهذا ما أكده وزير خارجية العراق في اجتماع جدة.
والسؤال هنا ما تاثير عودة سوريا لجامعة الدول العربية على العراق في المستقبل؟
نجيب على ذلك التساؤل بالقول، ان العراق يسعى وبقوة من خلال حكومته الى بناء علاقات اخوية رصينة مع دول الجوار يسودها الاحترام المتبادل وعدم التدخل بالشأن الداخلي لتلك الدول ، كما يسعى العراق لاستعادة دوره القيادي المؤثر في المنطقة من خلال السعي لحل المشاكل التي تعاني منها الدول العربية وخاصة دول الجوار.
الأهم من هذا وذاك نعتقد نحن، ان لجهود التطبيع وعودة سوريا للجامعة العربية له أثر بارز ومؤثر بشأن الوجود الأمريكي على الأراضي العراقية، فالقوات الامريكية مما لا شك فيه متواجدة هنالك بشكل قانوني بناء على طلب من الحكومة العراقية للدفاع عن النفس بموجب المادة (51) مما يسمح لهذه القوات بالبقاء في البلاد لدواعي الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي بيد ان روسيا وايران ودمشق تريد انسحاب القوات الامريكية.
فاذا قرر العراق وسائر دول الجامعة العربية تطبيع العلاقات رسميا مع الحكومة السورية، فقد يزداد الضغط الإقليمي ضد الوجود الأمريكي بشكل كبير في المستقبل غير البعيد.
السؤال الأهم هنا: هل تنجح المساعي التي تقودها السعودية والعراق بإعادة سوريا لاحضان الجامعة العربية؟
مما لا شك فيه ان جامعة الدول العربية، تعد انموذجا على الوحدة الإقليمية بشأن قضايا معينة، اذ ان إعادة قبول سوريا في الجامعة العربية لا تتطلب الاجماع من قبل جميع الدول العربية بل يكفي التصويت لقبول عضويتها ب (الأغلبية البسيطة) الذي هو الان سهل المنال والتحقق في الوقت الحاضر.
وأخيرا نعتقد ان عودة سوريا لجامعة الدول العربية باتت قضية سهلة وميسرة وهي مسألة وقت لا أكثر، نطمح ان يكون للعراق دور فاعل اكبر في هذه العودة.