ليسَ الفساد أن يقدِّمَ المخالفُ لشرطيِّ المرور أو موظف البلدية أو الكهرباء أو المحقِّق أو القاضي مبالغَ من المال مقابل إلغاءِ عقوبة (مخالفة القانون وسرقة المال العام من الغرامات).
و لا الفساد
أن يوصِفَ الطبيبُ فيتاميناتٍ لا يحتاجها المريضُ لأنه اتفقَ على مناصفة أرباحها مع وكيل مبيعات الأدوية، أو يشترط الأستاذ شراء كتب و ملازم لا يحتاجها الطالب (إبتزازًا و استغلالَ الوظيفة أو المهنة)
و لا الفساد
أن يساوِمَ الموظفُ الأرملةَ أو المطلقةَ أو زوجةَ الشهيد في دوائر التقاعد أو الرعاية الإجتماعية و يطلب المتعةَ لتمشية معاملتها (ابتزازٌ و شذوذٌ أخلاقيٌّ)..
و لا الفساد
أن لا تُروَّجَ معاملةً أصوليَّةً إلا بدَفع المعلوم و يجمع الموظف الوارد اليومي من بائع الشاي في بوابة الدائرة نهاية الدوام و شرطي المرور من صاحب كشك السكائر، أو يدفع المدرِّسُ طلَّابَهُ الى الدروس الخصوصية (تقصيرٌ في العمل و تعمُّد الروتين)…
و لا الفساد
أن لا يؤدِّيَ الموظفُ عمَلَه ُو يقضي يومَهُ بأن يبصمَ بالدخول و يبصمَ بالخروج (بطالة مقنَّعة و سرقة مال عام) و لا يعمل الطبيب الحكومي بواجبه أو الممرضة تعتني بالمرضى للدفع إلى أن يذهبوا للمستشفيات الأهلية (تقصير في العمل و انحدار أخلاقي في السلوك المهني)…
و لا الفساد
أن يوصفَ الطبيبُ العلاجَ بطريقةٍ مشفَّرةٍ يتم شراؤها من صيدلية محدَّدة سعر الدواء فيها أربعة أضعاف السعر الحقيقي، أو يجري جراحٌ عمليةً لمرضى لا يحتاجوها في المستشفيات الأهلية (الجشع و خيانة امانة)..
و لا الفساد
أن يتم الدفع بلا حياء و لاخجل بالخرِّيجين للعمل كمدرِّسين محاضرين بالمجان، و الأموال تذهب إلى الكبار من كلِّ حدبٍ و صوبٍ دون مراعاة لوضعهم الإجتماعي و المالي و النفسي، أو يتم تعيين الخريجيين للأقارب و أبناء المسوؤلين أو مَن يدفع مبالغَ تعادل أجور المتعينين لأربع سنوات (إبتزاز و انعدام الوطنية و الضمير)
و لا الفساد
أن يُستَغَلَّ الإستجوابُ للوزراء المقصِّرين ليتنفعَ أحدُ النواب أو مَن في رئاسة المجلس بتأخير الإجراءات مقابل بضعة ملايين من الدولارات أو تمنح القناعة بالاجابة (خيانة للشعب ونصب برلماني)..
و لا الفساد
أن يتبايعَ السياسيون على الوزارات ويصل سعر وزارة الدفاع مثلًا إلى ٦٠ مليون دولار فتُصبح أغذية الجيش و أسلحته و أعتدته و ملابسه منتهية الصلاحية، و تُباع القيادات و الآمريات والرُّتَب، و تُصبِحُ طائراتنا قديمة من مقابر المعدات يُعاد صبغها ليشتريها قادتنا بعشرات الأضعاف، ثم نستغرب كيف احتلَ داعش ثلثَ العراق ببضعة أيام (إنعدام الضمير و فقدان الشرف ونقص الغيرة)…
و لا الفساد
أن يتمَّ التعاقد على مشاريع وهمية تُصرَفُ لها سلفٌ ضخمةٌ ثُمَّ توقَف المشاريع و تختفي الأموال، أو أن يمنح البنك المركزي في مزاد العملة ملايين الدولارات إلى شركات الصيرفة و تجار عملة هُم أصلًا واجهات لكتل سياسية (إنعدام التخطيط وسرقة المال العام )..
و لا الفساد
أن نربطَ العراقَ بآليات خاسرة كجولات التراخيص أو نفتح أبوابَ المنافذ الحدودية للبضائع الأجنبية على حساب منتوجاتنا الوطنية، أو نسمحَ باستثمارٍ أجنبيٍّ لمشاريعَ تُدمِّرُ مصالحًنا في المطارات والموانىء (تبديد الثروات و هدر أموال الشعب)..
و لا الفساد
أن تكون تخصيصات الرئاسات الثلاث و حماياتهم و تخصيصات مجلس النواب و حمايته و حمايات نوابه و حماية المنطقة الخضراء يُشكِّل جزءًا كبيرًا من الميزانية لو قلَّلناه إلى الثلث لانعدمت شريحة العراقيين الراقدين تحت خط الفقر و الذين لا يحصلون على ٥ دولارات يوميًّا (إستغلال المناصب و شرعنة إمتيازات غير قانونية و سرقة المال العام بشكل قانوني)…
و لا الفساد
أن يكونَ تمويل كثير من الكتل والشخصيات السياسية من أطراف دولية و إقليمية مقابل تنفيذ سياساتهم (عمالة وخيانة)…
و لا الفساد
أن نُغرِقَ العراقَ بالديون والقروض و أن يكون نفطنا مِلك الدائنين فنحرم أبناءنا و أحفادنا من عوائده، أو نصرف رواتب ضخمة على موظفين فضائيين أو مسجَّلين فقط على الورق (خيانة و سرقة المال العام)..
الفساد في العراق ظاهرة مجتمعية في كلِّ مفصل من مفاصل الحياة، عند بائع الفواكه و الخضر عندما يغشك و عند صاحب المولدة و سائق سيارة الأجرة إلى مدَّعي الدِّين… الفساد نمط سلوكي يُمثِّل قبولَ ورضى المواطن بالفعل و السلوك الشاذِّ الخارج عن القانون و الأعراف و الدِّين..
المشكلة تكمُنُ في تعوُّدِ وتطبُّعِ و تقبُّلِ و ترسُّخِ السلوك المادي و الأخلاقي المنحرف و عدم الوقوف الجماعي ضد تداوله و الإنغماس فيه..
إنَّ الحربَ على الفساد يبدأ من الذات و العائلة إلى الأصدقاء و المنطقة قال تعالى:
“إنَّ اللهَ لا يُغيِّرُ ما بقومٍ حتى يُغَيِّروا ما بأنفُسِهِم”
إنَّ القضاءَ على الفسادِ قد يستغرقُ وقتًا طويلًا وحربًا صعبةً لأنَّ المُنتفعينَ كُثُرٌ و لكنَّ صرامة القانون و شجاعة مَن يتصدى و استقطاب الخيِّرين و جمع المتضررين و سيادة القانون على الكبير و الصغير، الثري و الفقير، السياسي و المواطن، سيجعلُ العراقَ ينطلق عائدًا من المركز الأول في قمة الفساد إلى القاعدة الأساس في النزاهة و الصدق و الشفافية..
عندما توسطتُ لأحد طلابي (و كان له خبرة
جيدة في الإحصاء و الحاسوب و معالجة البيانات و حاصل على ماجستير ) للعمل في هيئة النزاهة لم يتم اختياره وعندما سألتُ صديقًا هناك قال لي: ما دِفَع!!!…
و الغريب أنَّ أحدَ أقربائي له ثلاثة أبناء، إثنان من الخرِّيجين أحدهم هندسة مواد و الآخر علوم أرض، أما الثالث ( كريم القفاص) الذي لم يفلح في الدراسة حيث يعمل على تعيين الخرِّيجين مقابل مبالغ عالية لمسوؤل، فإنْ تعيَّنوا فَبِها و إنْ لم يتعيَّنوا فيُرجِّع نصفَ المبلغ لمَن يسبِّب له مشكلة. سألتُ قريبي عن حال أبنائه، فقال: بخير، الخرِّيجون عاطلون عن العمل، و كريم (القفاص) معيِّشهم..
لنا و لك يا عراق
اللهُ الواهبُ الرَّزاقُ.
أ.د. ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي